الحرب الوطنية العظمى.. 71 عاما من الذاكرة والإعتزاز
بعد بضعة أيام، في التاسع من مايو/أيار الجاري، تحتفل روسيا بيوم مجيد، بالذكرى السنوية على انتهاء الحرب الوطنية العظمى (الحرب العالمية الثانية). هذه هي الذكر الـ71 لوضع تلك الحرب الرهيبة أوزارها.
اليوم، يفهم من مصطلح "الحرب الوطنية العظمى" حرب الاتحاد السوفيتي ضد ألمانيا النازية وحلفائها الأوربيين ( بلغاريا وهنغاريا وإيطاليا ورومانيا وسلوفاكيا وفنلندا وكرواتيا)، تلك الحرب التي استمرت من لحظة الهجوم على الاتحاد السوفيتي في الثاني والعشرين من يونيو/ حزيران 1941 وحتى التاسع من مايو/ أيار 1945 (الثامن من مايو/أيار، وفقا لتوقيت وسط أوروبا)، يوم وقّعت ألمانيا على صك استسلامها غير المشروط.
استمرت حرب الشعوب السوفيتية ضد الغزاة الفاشيين الألمان 1418 يوما.
سقط في هذه الحرب 20-40 مليون إنسان من مواطني الاتحاد السوفيتي
بلغ عدد ضحايا هذه الحرب على مستوى العالم 50 مليونا من البشر
استمرت معركة ستالينغراد الحاسمة، في هذه الحرب، 200 يوم.
"الحرب الوطنية العظمى"، تسمية تعود إلى خطاب زعيم الاتحاد السوفيتي يوسف ستالين، الذي وجهه عبر موجات المذياع إلى المواطنين السوفييت، في الثالث من يوليو/ تموز 1941، وقد دعا فيه الشعب السوفيتي بجميع مكوناته أن يهب لمقاومة المحتلين الفاشيين. ومذ ذاك، يستخدم هذا المصطلح في روسيا وعدد من دول رابطة الدول المستقلة. إلا أن تسمية "الحرب الوطنية العظمى" لم يشع استخدامها خارج حدود الاتحاد السوفيتي.
ما الذي يجعل المواطنين الروس يستخدمون هذه تسمية "الحرب الوطنية العظمى"، بصرف النظر عن عدم فهم الأوروبيين لها؟ تلك الحرب، في واقع الحال، بالنسبة لشعوب الاتحاد السوفيتي كانت بالفعل حربا وطنية، أي حربا لتحرير أرضهم واستقلال وطنهم، كانت حرب وجود حقيقية. فلو كتب لخطة (أوست) النجاح لتم القضاء، كما تنص، على 50-60% من الروس. لكن تضحيات شعوب الاتحاد السوفيتي حالت دون تحقيق تلك الخطة الشريرة. في فترة الحرب، تقدم المواطنون السوفييت بأكثر من تسعة عشر مليونا من طلبات الالتحاق بجبهات القتال. بالتالي، يمكن القول إن الجيش السوفيتي الذي خاض الحرب كان جيشا من المتطوعين. أما القول إنها حرب عظمى، فذلك ما يؤكده الدور الذي أخذه الاتحاد السوفيتي على عاتقه. ففي خطاب ستالين الآنف الذكر، جاء:"والغرض من هذه الحرب الوطنية ضد الظالمين الفاشيين ليس فقط القضاء على الخطر الذي يخيم على بلادنا، بل ومساعدة كل الشعوب الأوروبية التي تئن تحت نير الفاشية الألمانية". وقد تم تنفيذ المهمة بدماء الشعوب السوفيتية، والوفاء برسالة تحرير أوروبا. ومع أن النصر تحقق بجهود كثير من البلدان، إلا أن الاتحاد السوفيتي بالذات هو من دمر القوة الألمانية الأساسية: أكثر من 74% من مجمل خسائر الجيش الألماني تكبدها في الاتحاد السوفيتي (10 ملايين قتيل من أصل 13.4 مليون).
تشكيلات الجيش الأحمر، بين عامي 1941 و1945، دمرت 607 فرقة عسكرية ألمانية أو أجبرتها على الاستسلام، مقابل 176 كانت من حصة القوات الأنجلو أمريكية. خسائر القوات الألمانية الفاشية على جبهة القتال السوفيتية، بين قتيل وجريح، كانت أكبر بستة أضعاف مما هي على جميع الجبهات الأخرى مجتمعة. لذلك، يعتز المواطنون الروس بالنصر في هذه الحرب، وليسوا مستعدين البتة لاعتبار الحرب الوطنية العظمى مجرد حرب بين حروب كثيرة، وإن تكن الأفظع.
منذ بداية القرن الحادي والعشرين إلى اليوم، تجرى أنشطة كثيرة تمجيدا لأبطال "الحرب الوطنية العظمى"، تؤكد شعبية هذه الاحتفالات في روسيا، على أن النصر في تلك الحرب قيمة كبرى عابرة للأجيال، عند الروس. المثال الساطع على ذلك، يتمثل في حملة نشر "شريط غيورغي" (غيورغوفسكايا لينتا). هذه الحملة الشعبية التطوعية يتم فيها توزيع شريط القديس غيورغي الذي كانت تربط به ميداليات البطولة في العهدين القيصري والسوفيتي. وهي حملة تقوم سنويا منذ العام 2005، بالتزامن مع الاحتفال بعيد النصر في الحرب الوطنية العظمى. ومما يجدر ذكره هنا، أن هذه الحملة جاءت بمبادرة شعبية تماما واستمرت كذلك، وإن يكن قد انضم إليها لاحقا ممثلو السلطة العليا في روسيا الاتحادية. فوفقا لتعبير منظمي هذه الحملة، يتجلى الهدف من نشاطهم في "عدم السماح بأي شكل من الأشكال بأن تنسى الأجيال الجديدة من الذي انتصر في أفظع حروب القرن الماضي وبأي ثمن تحقق ذلك النصر، وأن علينا نحن ورثة النصر أن نعتز بذلك وأن لا ننسى أولئك الأبطال الذين حققوه".
تسير فعاليات الحملة تحت شعارات: "انتصار جدي، هو انتصاري"، و"أذكر وأعتز"، و"نحن ورثة النصر العظيم"، و"شكرا لجدي على النصر" وغيرها من الشعارات. الأرقام تشهد على شعبية هذه الحملة، فخلال أعوام من القيام بها، تم توزيع أكثر من 100 مليون شريطا من شرائط القديس غيورغي في العالم أجمع. تجري هذه الحملة عمليا، في جميع البلدان التي تقطنها جاليات روسية. وفقا لاستبيانات الرأي، 73% من الروس ينظرون بإيجابية إلى هذا النشاط. وقد أكدت موقفها الإيجابي من الحملة شخصيات البلاد الأولى، فقد ربط كل من فلاديمير بوتين ودميتري مدفيديف شريط غيورغي البطولي، أثناء الاحتفالات بعيد النصر، وفعل غيرهم من المسؤولين الكبار.