ميادين المواجهة تتحضر ما بين حلب والباب
انتهاء الهدنة السورية ـ الروسية ينذر بتصعيد في الشمال السوري، وخصوصا في الميدان الحلبي. حشود من المسلحين تقرع أبواب المدينة من بوابتها الجنوبية الغربية من جديد، تقابلها عملية عسكرية واسعة ينفذها الجيش السوري على المحور ذاته لتوسيع دائرة حماية المدينة، والاقتراب نحو ريف إدلب. وفي الوقت ذاته، تستمر المعارك بين فصائل «درع الفرات» المدعومة تركياً من جهة، و «قوات سوريا الديموقراطية»، التي وجدت نفسها من دون غطاء جوي أميركي هذه المرة في الشمال المفتوح على تركيا، ضمن سباق الوصول إلى مدينة الباب شمال شرق حلب.
خريطة معارك معقدة تعيشها مدينة حلب، مع استمرار استقدام قوات الجيش السوري تعزيزات عسكرية وصفت بأنها «ضخمة»، من شأنها حسم الحرب المحيطة بالمدينة، بعد انتهاء الهدنة التي أعلنتها روسيا على مدار ثلاثة أيام، امس الاول، تمهيداً لخروج المدنيين، من دون أن تحقق هذه الهدنة أهدافها بعدما منع المسلحون الأهالي الراغبين بالخروج من الوصول إلى المعابر.
فور انهيار الهدنة، عاد سلاحا الجو الروسي والسوري إلى التحليق المكثف في أجواء حلب، حيث شنت الطائرات الحربية غارات عدة على المحور الجنوبي للمدينة، مقروناً بقصف مدفعي مركز، تبعه، بشكل خاطف، تقدم لقوات المشاة نحو كتيبة الصواريخ جنوب غرب قرية المشرفة، المحاذية لقرية خان طومان جنوب حلب. وتسمح السيطرة على الكتيبة برصد واستهداف التلال المحيطة، بالإضافة إلى طرق إمداد المسلحين باتجاه حي الراشدين 5، وفق تأكيد مصدر عسكري.
العملية الخاطفة للجيش السوري فاجأت الفصائل المسلحة التي تتابع حشد قواتها لبدء معركة نحو مدينة حلب، وفق ما أعلنت فصائل عدة وعلى رأسها حركة «نور الدين الزنكي»، حيث قدرت مصادر معارضة عدد المسلحين المحتشدين بنحو 1500 مسلح ستقاتل تحت راية «جيش الفتح»، الذي أكد بدوره بدء ما أسماه «ملحمة حلب» على لسان أحد قادته العسكريين «أبو عدي علوش».
تعتمد الفصائل المسلحة، وعلى رأسها «جبهة النصرة»، في معركتها على تخوم حلب على شحنات جديدة من الأسلحة تلقتها خلال الشهر الماضي، بحسب ما أكد مصدر معارض، بينها مضادات للطائرات، بالإضافة إلى صواريخ «غراد» التي يصل مداها إلى نحو 40 كيلومترا، والتي طالت خلال الأيام الماضية مناطق عدة داخل مدينة حلب. ويعتمد الجيش السوري في تصديه للهجوم المرتقب للمسلحين على الاستهداف الدقيق لمخازن الأسلحة من جهة، واستمرار عملياته الهجومية من جهة أخرى، الأمر الذي «سيبعد خطوط المعارك عن مدينة حلب»، وفق تعبير مصدر عسكري تحدث إلى «السفير».
وأكد المصدر أنه خلال الأسبوع الماضي وصلت إلى مدينة حلب تعزيزات عسكرية كبيرة للجيش السوري، بالإضافة إلى آليات ثقيلة ودبابات حديثة. وتشير بعض المصادر إلى أن من بين التعزيزات التي وصلت وحدات عسكرية تابعة للفرقة الأولى التي جرى نقلها من مدينة النبك في ريف دمشق. ويؤكد المصدر العسكري أن القوات التي وصلت من شأنها أن تحسم معركة حلب.
تركيا والأكراد
في الريف الشمالي لحلب، تستمر المعارك بين فصائل «درع الفرات» المدعومة تركياً من جهة، و «قوات سوريا الديموقراطية» التي تقودها الوحدات الكردية من جهة أخرى، أبرزها في محيط تل رفعت، من دون أي تغييرات في خريطة السيطرة.
وعلى الرغم من البيان الذي أصدره الجيش السوري والذي اعتبر الطائرات التركية «أهدافاً مشروعة سيتم استهدافها في حال اختراقها للمجال الجوي السوري» يوم الجمعة الماضي، استمر سلاح الجو التركي في اختراق الأجواء السورية، حيث استهدف يوم السبت مواقع عدة للوحدات الكردية في ريف حلب الشمالي، بينها مواقع في ام حوش، وتل رفعت وحربل، كما تابعت المدفعية التركية استهدافها للقرى الكردية في عفرين الحدودية، فيما دخلت دبابات تركية إلى مدينة مارع وتمركزت فيها. وأظهرت تسجيلات مصورة الدبابات وهي تقصف مواقع كردية من داخل مدينة مارع. وعادت الطائرات التركية للتحليق في الأجواء السورية، أمس، من دون أن تشن أي غارة، بحسب تأكيدات مصادر كردية.
وفي وقت أعلنت فيه مصادر تابعة لـ «درع الفرات» عن مقتل عدد من مقاتلي «الوحدات الكردية» خلال الاشتباكات، أكدت مصادر كردية تحدثت إلى «السفير» أن مقاتلي «قسد» تمكنوا من قتل طاقم عربة مدرعة حيث تمت السيطرة على العربة وسحبها، كما تم إسقاط طائرة استطلاع تركية قرب أم حوش.
ويأتي استمرار التصعيد التركي الميداني بالتوازي مع زيارة أمير قطر تميم بن حمد إلى العاصمة التركية أنقرة، بعد يوم واحد فقط من التصريح المثير الذي أدلى به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والذي اعتبر من خلاله مدينتي الموصل وكركوك ومنطقة شمال سوريا بما فيها حلب تابعة لتركيا.
الرئيس التركي خلال حفل افتتاح إحدى الكليات ببلدة إناجول التابعة لمدينة بورصة يوم السبت، أكد إصرار تركيا على التقدم نحو مدينة الباب بداعي «أننا مضطرون لذلك»، وفق تعبيره. كما أعلن عن «جاهزية تركيا لخوض معركة أخرى لتحرير الرقة إذا ساهم التحالف في هذه المعركة»، من دون إقحام الأكراد الذين اعتبر أنهم «إرهابيون»، وفق تعبيره.
بدوره، أكد المسؤول الإعلامي في «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي دارا مصطفى خلال حديثه إلى «السفير» أن الفصائل الكردية المقاتلة ستتابع قتالها برغم تعدد محاور القتال، وقال «ردّنا سيكون بالصمود كما نفعل الآن، فنحن نعوّل بالدرجة الأولى على حاضنتنا الشعبية الموجودة في تلك المنطقة والتي كانت السبب الأساسي لصمودنا برغم شراسة المعركة وعنفها»، وهو الرأي ذاته الذي ذهب إليه عضو مجلس «سوريا الديموقراطية» ريزان حدو الذي قال «سنتابع نضالنا ضد الاحتلال التركي»، موضحاً أنه «لن يسمح للأتراك بالوصول إلى مدينة الباب».
الجيش السوري: إلى الباب
في الصعيد ذاته، أكد مصدر عسكري سوري أن التعزيزات العسكرية الضخمة التي وصلت مؤخراً إلى مدينة حلب لها مهام أخرى إلى جانب تحصين الجبهة الجنوبية، وهي إطلاق معركة نحو مدينة الباب شمال شرق حلب. وذكر المصدر أن نقطة انطلاق العملية ستكون من مطار كويرس، حيث ترابط قوات الجيش السوري على بعد نحو 10 كيلومترات فقط عن مدينة الباب.
الدكتور في العلوم السياسية محمد كمال الجفا رأى خلال حديثه إلى «السفير» أن «قرار العملية العسكرية نحو مدينة الباب قد اتخذ بالفعل»، مؤكداً أن قوات الجيش السوري ستفتح معركة عبر هذا المحور بعد استكمال التجهيزات، مشيراً إلى أن «بيان الجيش السوري الأخير الذي أكد من خلاله أن تركيا دولة معتدية جاء في وقت حساس، حيث يدرك الجيش أن تركيا تحلم بالتمدد داخل سوريا أكثر، وأن سيطرة تركيا على مدينة الباب ستعقّد المشهد الميداني، وهو ما سيضع الجيش السوري حداً له بهذه العملية».
عضو «مجلس سوريا الديموقراطية» ريزان حدو أكد خلال حديثه إلى «السفير» أن تحرك الجيش السوري نحو المدينة التي تعتبر أبرز معاقل تنظيم «داعش» في ريف حلب الشمالي الشرقي «سيضع حداً للأطماع التركية»، موضحاً أن «قوات سوريا الديموقراطية لن تتقدم على هذا المحور إذا تقدم الجيش السوري، فالمهم هو محاربة الإرهاب، ومنع تكرار الاحتلال من جديد».
وعلى الرغم من سخونة ميادين القتال في الوقت الحالي في حلب ومحيطها، إلا أن الأيام المقبلة ستشهد ارتفاعاً أكبر في سخونة المشهد المعقد، وقد يتمكن الحل العسكري من أن يحل هذا التعقيد، بعدما فشلت ميادين السياسة في ذلك، ما يعطي معركة حلب هذه المرة مقوّمات «معركة الحسم».
كارتر
دعا وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر للبدء بعملية لعزل «داعش» في مدينة الرقة السورية بالتزامن مع الهجوم على مدينة الموصل في العراق.
وقال خلال زيارة الى اقليم كردستان العراق لبحث العملية الدائرة لاستعادة الموصل من الإرهابيين: «نريد أن نرى بدء عملية عزل حول الرقة بالسرعة الممكنة»، مضيفاً «نعمل مع شركائنا هناك (في سوريا) للقيام بذلك».
وأشار إلى أن فكرة شن عمليتين متزامنتين في الموصل والرقة «هي جزء من تخطيطنا منذ فترة طويلة».
الكرملين
أوضح المتحدث باسم الكرملين ديميتري بسكوف، أمس الأول، أن دولا عدة تحاول «عقد صفقة مع الشيطان» في سعيها إلى إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد بأيدي الإرهابيين، بينما تشترط دول أخرى إطلاق التسوية السياسية في سوريا مع ترك الأسد في منصبه.
وأصر على وجود خيارين لا أكثر في سوريا، إما رئاسة الأسد وإما تولي «جبهة النصرة» زمام الحكم في دمشق، مستطرداً أنه لا يمكن التوصل إلى التسوية السياسية من دون الأسد.
نشرت للمرة الأولى في "السفير"