ألكسندر دوغين - "دَمشق تحت القصف: بين حلم المجيء ومخطط إسرائيل الكبرى – قراءة لاهوتية في نار الشرق الأوسط"

05.08.2025

ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي

17 يوليو 2025

بينما تشتعل سماء دمشق من جديد تحت القصف الإسرائيلي، يتردد صدى النبوءات والأطماع الجيوسياسية القديمة في أروقة الحرب. لا يتعلق ما يحدث اليوم في سوريا بصراع تقليدي على الأرض أو السلطة، بل بتداخل لاهوتي عميق، حيث تصير السياسة كاهوتًا، وتتحول الخرائط إلى نصوص أبوكاليبسية، يتجسد فيها "مخطط إسرائيل الكبرى" على أرضٍ شهدت منذ الأزل صراع القاتل والمقتول، والضوء والظلمة.
---
المشهد الأول: الغطاء الطائفي والهدف الإستراتيجي

بدأت الضربات الإسرائيلية الأخيرة ضد دمشق تحت مبرر "الدفاع عن الدروز في محافظة السويداء"، التي تعرضت لهجمات شرسة من قبل فصائل يقودها محمد الجولاني – زعيم "هيئة تحرير الشام"، والذي عُيّن، وفق دوغين، "حاكمًا لسوريا بعد إسقاط الأسد في ديسمبر 2024".
لكن كما يقول الفيلسوف والمفكر الروسي ألكسندر دوغين: "إسرائيل، وإن تدخلت شكليًا دفاعًا عن الدروز – وهو أمر محمود في الظاهر – إلا أنها فورًا تجاوزت الحد، إذ أعلن بن غفير وبتسلئيل سموتريتش أن الخطوة التالية في بناء إسرائيل الكبرى هي إحتلال دمشق."

هذه ليست المرة الأولى التي تُستخدم فيها قضايا الأقليات كذرائع لتبرير تدخلات عسكرية، بل إنها تدخل ضمن منطق "السيطرة بالحجة الأخلاقية"، بينما الأهداف الحقيقية جيوسياسية وإستراتيجية.
---
المشهد الثاني: دَمشق – الرمز المهدوي وموضع النبوءة

دَمشق ليست مجرد عاصمة عربية، بل موقعٌ رمزيٌّ عميق في اللاهوتين الإسلامي والمسيحي. كما يذكر دوغين: "في دمشق، كما يعتقد جميع الشيعة وكثير من السنة (بإستثناء السلفيين)، سيحدث ظهور المهدي والمجيء الثاني للمسيح، وفق التصور الإسلامي – المختلف عن تصورنا نحن".

وبالتالي، فإن تدمير المدينة لا يمكن قراءته فقط كمجرد هجوم عسكري، بل كنوع من "التحطيم الرمزي لنقطة تجلّي الخلاص الإلهي"، ما يفسر حدّة القصف ووحشيته، والتي شملت بحسب التقارير قصف القصر الجمهوري ومقر هيئة الأركان السورية.
---
المشهد الثالث: لعبة موساد في غزة وسوريا – من هندسة العدو إلى قصف "التحالف الضمني"

يذهب دوغين إلى أبعد من ذلك بإتهامه جهاز الموساد الإسرائيلي بتنظيم عملية السابع من أكتوبر 2023 (هجوم حماس) كذريعة لشن إبادة على قطاع غزة: "هناك مزيد من الأدلة على أن العملية الإرهابية لحماس تم تنظيمها وتحفيزها من قبل الموساد. خطوة أخرى نحو بناء إسرائيل الكبرى."

وبنفس المنطق، يرى أن دور الجولاني لم يكن إلا تمهيدًا لخلق فوضى طائفية في سوريا، تُستثمر لاحقًا لصالح التمدد الإسرائيلي: "أُتي بالجولاني إلى السلطة وساعدوا على الإطاحة بالرئيس الشرعي بشار الأسد، ثم، وبعد أن إرتكب المجازر، قرروا معاقبته. وحين تحقق المطلوب – أي الإستيلاء على مناطق قرب الجولان – بدأوا الهجوم على دمشق."
---
المشهد الرابع: إنهيار ترامب في شراك الموساد – السياسة رهينة الدين

في مشهد موازٍ، يتحدث دوغين عن إنهيار ما تبقى من إستقلالية القرار الأمريكي تحت ضغط الموساد، حيث: "أجبر الموساد ترامب على السكوت عن قضية إبستين، واصفًا إياها بالخدعة (hoax)، ما أدى إلى إنهيار شعبيته بين أنصار حركة MAGA."

وهو يرى في ذلك إنعكاسًا لتغلغل الأجهزة الإسرائيلية في قلب الإمبراطورية الأمريكية، مما يجعل من ترامب مجرد "جسد ضخم معلق في شباك أجهزة أجنبية"، بحسب وصفه.
---
المشهد الخامس: من التحليل السياسي إلى التفسير اللاهوتي

لا يتردد دوغين في الإنتقال من السياسة إلى اللاهوت، مؤكدًا أن ما يجري ليس صراع مصالح فحسب، بل صراع لاهوتي – إسكاتولوجي (أخروي): "ما يحدث اليوم لا يمكن تفسيره بالإقتصاد أو النفط أو التحليلات التقليدية. نحن أمام لاهوت الحرب. أمام الإسكاتولوجيا وقد تفجّرت أمام أعيننا."

ويختم بدعوة صريحة: "أهم كتاب يجب قراءته اليوم لفهم ما يحدث في السياسة العالمية والأخبار هو سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي."
---
خاتمة: طريق دَمشق – من القتل الأول إلى التجلّي الأخير

يشير النص إلى رمزية الطريق إلى دمشق: "بالقرب من دمشق، في أحد التلال، قتل قابيل هابيل. وعلى الطريق المؤدي إليها، تحوّل شاوول اليهودي المضطهد للمسيح إلى بولس، أعظم رسل المسيحية، بعد أن رأى رؤيا إلهية."

ويختم بنبوءة أسطورية: "يقال في الأساطير أن زهرة بَراعس السحرية تتفتح منتصف الليل على طريق دمشق، وتمنح من يراها سيطرة مطلقة على العالم."

دمشق إذن، ليست مجرد هدف عسكري، بل نقطة تقاطع تاريخي وروحي، حيث تُخاض حروب اليوم بأدوات الأمس، وتُرسم خرائط الغد على حواف نبوءات قديمة لم تنطفئ بعد.
---