ألكسندر دوغين يتحدث عن المحور الرئيسي الذي لا يجب المساس به – إسرائيل تفتح الأبواب المحرمة

17.09.2025

الأحداث الجارية في الأرض المقدسة ليست مهمة الآن فقط، بل منذ منتصف القرن العشرين. إنشاء الدولة القومية اليهودية "إسرائيل" على أرض فلسطين، التي كانت تحت الإنتداب البريطاني بعد تقسيم الإمبراطورية العثمانية، لم يكن مجرد فعل سياسي عادي. على عكس إنشاء وتقسيم تشيكوسلوفاكيا أو إنهيار الإتحاد السوفياتي، التي كانت أحداثًا مهمة بلا شك، فإن ما يحدث في الأرض المقدسة له بعد لا يُقارن. 

بالنسبة لجميع الديانات التوحيدية الثلاث – اليهودية، الإسلام، والمسيحية – هذه ليست مجرد أرض أو حدود كيان سياسي. إنها مرآة التاريخ العالمي. في المجتمعات التقليدية لهذه الديانات، كان يُعتقد أن القدس والأرض المقدسة تقع على محور يربط بين السماوات والأرض والعوالم السفلية. المدخل إلى الجنة والمدخل إلى الجحيم. 

ولهذا السبب، كان لهذه الأرض أهمية هائلة لليهود القدماء، وللمسيحيين (ومن هنا جاءت الحروب الصليبية)، وللمسلمين، حيث يقع في القدس المكان الذي صعد منه النبي محمد إلى السماوات وفقًا للقرآن. هذا المحور الذي يربط السماء بالأرض يجعل هذه الأرض غير عادية بالنسبة لغالبية البشرية التي تعتنق الديانات التوحيدية. 

أسئلة مثل: لمن تنتمي الأرض المقدسة؟ وما الذي يحدث عليها؟ هل هناك سلام أم حرب؟ هل هناك تطهير عرقي؟ من يحارب من؟ من يتصرف بنبل ومن يتصرف بخسة؟ من هو القاتل ومن هو الضحية؟ كيف تُرسم الحدود؟ وما هو النظام القانوني لهذه الأراضي؟ كل هذه ليست أمورًا ثانوية. بالطبع، أي ترتيب سياسي في أي منطقة من العالم مهم لسكانها. لكن أحداث القدس لها أهمية مطلقة للجميع. أكبر بكثير من وجود دول البلطيق أو أوكرانيا، التي قد تكون أو لا تكون. أهميتها محلية. لكن مصير فلسطين والقدس هو الأهم للبشرية جمعاء. 

فكرة منح فلسطين لليهود، التي إنتشرت منذ حوالي مئة عام، وخاصة بعد فظائع هتلر في الحرب العالمية الثانية، بدت حلاً معقولًا. فالكثير من الشعوب لديها دولها القومية، بينما اليهود لم يكن لديهم دولة. رغم أنه كان يمكن إقتراح أراضٍ أخرى (وتم النظر في خيارات مثل أوغندا في أفريقيا). لم يكن الأمر مجرد أرض، بل إنشاء دولة يهودية مستقلة، وهو ما وافق عليه الكثيرون، بما في ذلك ستالين. وهكذا تأسست دولة إسرائيل. 

لكن الأهم في خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين تم إغفاله. وهو تحقيق النبوءات ذات الأهمية المطلقة في الديانة اليهودية: أن اليهود سيعودون بعد ألفي عام من التشرد إلى الأرض الموعودة. فكروا فقط: نحن السلاف بالكاد نتذكر ما حدث لنا منذ ألف عام. أما هنا، فشعب عاش ألفي عام خارج أرضه المقدسة. هل كان هذا التشرد مستحقًا أم لا؟ هذا سؤال لاهوتي، خاصة في اللاهوت اليهودي، الذي يعتبره عقابًا أو إختبارًا، ما يسمى "الغالوت" (المنفى)، عقاب إلهي لتطهير الشعب اليهودي. لقد تطهروا لمدة ألفي عام، وبحسب المعتقدات، سيكملون تطهيرهم وينتقلون من المعاناة إلى الحكم، ومن الهزيمة إلى النصر، عندما يأتي "الماشيح"، أي المسيح اليهودي. عندها ستحدث العودة إلى الأرض الموعودة. 

فماذا حدث؟ لم يأتِ المسيح، لكن اليهود عادوا. وهكذا، أُعطيت الأرض المقدسة لديانة واحدة، اليهودية. وكيف تصرف اليهود على هذه الأرض؟ نعرف جيدًا. في البداية، تعاطف الجميع معهم، كانوا ضحايا. لكنهم بدأوا يظهرون جانبًا آخر – وكلما طال إنتظار المسيح، أصبحوا أكثر قسوةً ووحشيةً على أرضنا المقدسة. إنفتح جانب لا يُصدق من هويتهم. 

مثال حديث: الآن في أمريكا، هناك فضيحة كبرى حول قضية إبستين الجنسية، وقصف إيران، وتصعيد العلاقات معنا، وقتل كينيدي، وفي كل مكان العامل الرئيسي هو إسرائيل. يتهم نشطاء اللوبي الإسرائيلي في أمريكا بأنهم جعلوا هذه الدولة تحت خدمتهم ويغطون على أي أفعال، سواء كانت دفاعية أو هجومية. بفضل نفوذهم على النخبة الأمريكية. حتى لو كانت هذه الأفعال غير مفهومة للأمريكيين أنفسهم. فجأة، إتضح أن أمريكا تُدار بواسطة إسرائيل، إسرائيل قاسية ولا إنسانية، تلك التي لا نعرفها (ربما بقي فيها شيء من العهد القديم). 

هذه ال 'إسرائيل' تنفذ تطهيرًا عرقيًا في غزة، تهاجم إيران ذات السيادة لتمنعها من إمتلاك أسلحة نووية بينما هي تمتلكها. تجلب للسلطة في سوريا الجلاد والإرهابي "الشرع" (الجولاني)، ثم بعد معرفة طبيعته كقاتل وجلاد، تبدأ بقصف دمشق القديمة. السؤال: لمن أعطت البشرية هذه الأرض – مرآة العالم، المدخل إلى الجنة والجحيم؟ يبدو أن القيادة الإسرائيلية الحالية تفتح الأبواب ليس إلى الجنة، بل إلى الجحيم. بالفعل، صواريخ إسرائيلية وإيرانية تعبر فوق سهل "هرمجدون" والأرض السورية المقدسة. بإختصار، ما يحدث اليوم في الشرق الأوسط هو صورة شديدة الشر. 

والسؤال الأهم: لم نحن، ممثلي الديانة المسيحية التوحيدية، أعطينا اليهود هذه الأرض المقدسة لنا جميعًا – للمسيحيين والمسلمين – ليهيمنوا عليها تمامًا؟ كانت هناك قرارات للأمم المتحدة عام 1947 تنص على أن القدس يجب أن تبقى مدينة دولية تحت وصاية عالمية. لكن الصهاينة تجاهلوا ذلك تمامًا وتصرفوا بطريقة غير متوقعة. هذا تصرف شعب كان حتى الأمس ضحية، نتعاطف معه، تحفظ الشعوب الأخرى ذكرى معاناته، فجأة يكشف عن جانب آخر تمامًا. ظهرت قوة وحشية، لا إنسانية، قاسية، تتحكم بخبث وخسة بالشعوب الأخرى، تقتل المعارضين، تدمر مقدسات الثقافات الأخرى، تنفذ مؤامرات مروعة، تقضي جسديًا على القيادات السياسية والعسكرية للدول الأخرى. بإختصار، تفعل ما تريد. 

وهذا بالطبع يجعلنا نفكر كثيرًا. في أي زمن نعيش؟ التفسير الديني للأحداث في الأماكن المقدسة لجميع الديانات التوحيدية الثلاث لا يمكن إختزاله في النفط أو الغاز أو صناديق التحوط أو أسعار النفط أو قيمة البيتكوين أو أي مؤامرات سياسية. الحديث يدور عن شيء أكثر أهمية وأساسية.