إعلان موسكو والأزمة السورية: هل يكون فرصة للحل؟

23.12.2016

   في ظل الإفرازات التي تركها اغتيال السفير الروسي لدى الجمهورية التركية يوم الاثنين 19 ديسمبر 2016، انعقد في اليوم الموالي الثلاثاء 20 ديسمبر 2016 اجتماع ثلاثي في العاصمة الروسية موسكو، جمع بين وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا. فعلى الرغم من الانطباع السيئ الذي تركته عملية اغتيال السفير الروسي سواء لدى القيادة الروسية أو لدى القيادة التركية، إلاّ أنه من جانب آخر ظهرت حكمة القيادتين مع بعض من خلال إبداء النية الصريحة في احتواء إفرازات هذه العملية بأسرع وقت من جهة، ومن جهة أخرى الإعراب عن نيتهما مواصلة تحسين العلاقات بين البلدين.

وهنا يجدر القول، أن هذه المرونة البراغماتية في التعامل مع عملية الاغتيال وخاصة من طرف القيادة الروسية تشير إلى الحنكة والذكاء الموجود لدى القيادة الروسية من خلال تعاملها مع العملية بكل رزانة وهدوء وعدم الانجرار وراء العواطف ووضع المصلحة العليا لروسيا قبل كل شيء.

   إن انعقاد هذا الاجتماع الثلاثي في موسكو حول الأزمة السورية يشير في جوانب أخرى منه إلى فعالية القيادة الروسية في تحويل الأزمة إلى فرصة لكسب المصالح، فعلى عكس ما كان يتوقعه الكثير لم تؤد عملية اغتيال السفير الروسي إلى القطيعة بين روسيا وتركيا أو إلى توتر العلاقات بينهما، بل تم تحويلها إلى فرصة استثمرتها القيادة الروسية للحصول على مكاسب تعزز رؤيتها للحل في سوريا بواسطة إشراكها لإيران التي تعد الحليف التقليدي المساند لنظام الأسد، وبحضور تركيا التي تعد الحليف الأقرب للمعارضة السورية.

   وينبغي القول كذلك أن روسيا استثمرت ثلاثة عوامل كانت في صالحها: الأول يتمثل وقائع الحرب في حلب من خلال سيطرة النظام السوري عليها، ويتمثل العامل الثاني في حالة البرود التي تميز العلاقات التركية الأمريكية الناجمة عن الانقلاب العسكري الفاشل الذي وقع في تركيا خلال الصائفة الماضية. وفي نفس الوقت هناك عامل ثالث يتجلى في نتائج الانتخابات الأمريكية وفوز دونالد ترامب، فأمريكا اليوم تعيش مرحلة تسليم السلطة من إدارة ديمقراطية إلى إدارة جمهورية. وهذه المرحلة لانتقال السلطة في أمريكا كثيرا ما تؤدي إلى فراغ في السياسة الخارجية الأمريكية.

   وبالنظر إلى ما ورد في إعلان موسكو، فإنه تضمّن مجموعة من البنود منها خمسة بنود أساسية تستوجب الاهتمام وقراءتها جيدا لكونها تحمل قدرا كبيرا من الأهمية:

1. ورد في إعلان موسكو بند يتعلق بالتركيز على محاربة الإرهاب الذي تم تشخيصه في تنظيم داعش وجبهة النصرة التي تحمل الآن اسم فتح الشام. وهذا يعني أن روسيا نجحت في تسويق رؤيتها للمشهد السوري باعتباره حربا ضد الإرهاب وليست ثورة لإسقاط نظام الأسد. وفي هذا الإطار، فإن حضور تركيا يشير إلى تغيّر أولوياتها في الوقت الراهن لصالح محاربة التنظيمات الإرهابية وليس رحيل بشار الأسد.

2. هناك بند يشير إلى الحفاظ على وحدة الأراضي السورية واستقلالها في إطار دولة ديمقراطية علمانية متعددة الأعراق والأديان، وهذا يشير إلى أن مستقبل سوريا لن يكون بالتحول نحو دولة دينية مع الإقرار بوجود انتماءات عرقية ودينية متعددة. هذا الامر يدعو إلى طرح التساؤل حول مغزى ذكر التعددية العرقية والدينية، وعلاقتها مستقبلا بتوجه سوريا نحو الديمقراطية التوافقية على الطريقة اللبنانية، وعلاقتها كذلك بمسألة وحدة الأراضي وشكل الدولة مستقبلا: هل سيتم الحفاظ على سوريا كدولة موحدة أم التوجه نحو الدولة الفدرالية؟

3. تضمّن إعلان موسكو بندا يثير تساؤلا كبيرا، فالأطراف الثلاثة أبدت تفاهما مشتركا بعدم جدوى الحل العسكري للأزمة السورية وهي نفسها متواجدة عسكريا داخل سوريا بحيث أن كل دولة تؤيد طرفا معينا. ويشير هذا إلى التناقض بين الخطاب والفعل لدى الفواعل الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة السورية، فهي تسوق لخطاب بعدم جدوى الحل العسكري وفي نفس الوقت تتدخل عسكريا لصالح أطراف النزاع داخل سوريا سواء إلى جانب النظام أو إلى جانب المعارضة.

4. يفسّر إعلان موسكو بوضوح خلفيات هذا الاجتماع الثلاثي، فكل من روسيا وإيران وتركيا أصبحت تقدّم نفسها كراعية للسلام بين النظام السوري والمعارضة، وهنا يبرز بشكل جلي أن هذه الدول متوافقة ضمنيا على الأقل أن الحل لا يكون بالضرورة برحيل الأسد أو سقوط النظام بل يكون عن طريق التفاوض بين الطرفين وفق مبدأ الأخذ والعطاء. وفي نفس الوقت تعتبر كل من روسيا وايران وتركيا نفسها الأطراف الفاعلة في المشهد السوري. وبالتالي هناك إقرار صريح بأن مفاتيح الأزمة السورية لم تعد بيد النظام السوري والمعارضة بل بيد الفواعل الإقليمية والدولية، مما يدل على أن الحرب في سوريا هي حرب بالوكالة بين فواعل إقليمية، وحرب بالوكالة بين قطبين دوليين هما روسيا والولايات المتحدة الأمريكية في مشهد يذكرنا بأجواء الحرب الباردة سابقا.

5. يشير أحد البنود الواردة في الإعلان ضمنيا إلى فشل المساعي الدولية السابقة لحل الأزمة السورية، وخاصة مسار جنيف الذي وصل إلى طريق مسدود. فالدول الثلاثة (روسيا، تركيا، إيران) تعتبر أن إعلان موسكو بمثابة خارطة طريق جديدة لحل الأزمة السورية.

   إذاً من خلال هذه البنود السابقة الذكر، يتضح أن إعلان موسكو هو بمثابة إعلان تفاهم بين ثلاثة دول لها وزنها في المشهد السوري. وهو لا يرقى إلى درجة الاتفاق الرسمي لحل الأزمة لأنه لم يشهد حضور الأطراف الداخلية المعنية المتمثلة في النظام السوري وقوى المعارضة – وهذه نقطة ضعف هذا الإعلان – وفي المقابل هو لا يرقى لأن يكون خارطة طريق للحل في غياب الفاعل الدولي الرئيسي وهو الولايات المتحدة الأمريكية.

   وبغض النظر عن مدى نجاح هذا الاجتماع الثلاثي، ومدى قابلية إعلان موسكو للتطبيق العملي والموافقة عليه من طرف الفواعل المحلية والإقليمية والدولية الأخرى المؤثرة في المشهد السوري، فقد أبان هذا الاجتماع عن أدوار رئيسية تقوم بها الدول الثلاثة. فروسيا أصبحت الآن تقدّم نفسها كقطب عالمي لإدارة الأزمات الدولية إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، وإيران بتغلغلها في العالم العربي ودورها الحليف للنظام السوري رسخت نفسها كفاعل إقليمي معتبرة نفسها حامية للعنصر الشيعي في المنطقة. وبالنسبة لتركيا فقد أبانت عن فعالية الإستراتيجية التي تتبناها حكومة حزب العدالة والتنمية في السياسة الخارجية، والتي تقوم على ثلاثية الدور التركي في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم، فتركيا شريك دولي في مناطق النفوذ، وهي موازن بين القوى الإقليمية والعالمية، وهي وسيط لحل الأزمات والنزاعات لاسيما تلك التي تكون على حدودها.

   وفي الأخير ينبغي القول، أن الأزمة السورية أصبحت معقدة أكثر من أي وقت مضى وأن الحل لن يكون سهلا الوصول إليه، ويتطلب تقديم التنازلات من كل الأطراف الداخلية (النظام السوري، والمعارضة). وفي نفس الوقت يتطلب الدخول في تسويات بعيدة عن المعادلة الصفرية بين مختلف الفواعل الإقليمية والدولية التي لها علاقة بالمشهد السوري.

(المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولا مسؤولية على هيئة التحرير)